فصل: من أقوال المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



قيل: إنه قال هذا في نفسه ولم يخاطبهم به؛ لأن ذلك يخالف الإكرام.
قيل: إنه أنكرهم لكونهم ابتدءوا بالسلام، ولم يكن ذلك معهودًا عند قومه، وقيل: لأنه رأى فيهم ما يخالف بعض الصور البشرية، وقيل: لأنه رآهم على غير صورة الملائكة الذين يعرفهم، وقيل غير ذلك.
{فَرَاغَ إلى أَهْلِهِ} قال الزجاج: أي: عدل إلى أهله، وقيل: ذهب إليهم في خفية من ضيوفه، والمعنى متقارب، وقد تقدم تفسيره في سورة الصافات.
يقال: راغ وارتاغ بمعنى طلب، وماذا يريغ أي: يريد ويطلب، وأراغ إلى كذا: مال إليه سرًّا وحاد {فَجَاء بِعِجْلٍ سَمِينٍ} أي: فجاء ضيفه بعجل قد شواه لهم، كما في سورة هود:
{بِعِجْلٍ حَنِيذٍ} [هود: 69] وفي الكلام حذف تدل عليه الفاء الفصيحة، أي: فذبح عجلًا فحنذه فجاء به {فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ} أي: قرّب العجل إليهم ووضعه بين أيديهم فقال: {أَلاَ تَأْكُلُونَ} الاستفهام للإنكار، وذلك أنه لما قربه إليهم لم يأكلوا منه.
قال في الصحاح: العجل: ولد البقر والعجول مثله، والجمع العجاجيل، والأنثى عجلة، وقيل: العجل في بعض اللغات الشاة {فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً} أي: أحسّ في نفسه خوفًا منهم لما لم يأكلوا مما قرّبه إليهم.
وقيل: معنى أوجس: أضمر، وإنما وقع له ذلك لما لم يتحرموا بطعامه.
ومن أخلاق الناس أن من أكل من طعام إنسان صار آمنًا منه، فظن إبراهيم أنهم جاءوا للشرّ، ولم يأتوا للخير.
وقيل: إنه وقع في قلبه أنهم ملائكة، فلما رأوا ما ظهر عليه من أمارات الخوف قالوا: {لاَ تَخَفْ} وأعلموه أنهم ملائكة مرسلون إليه من جهة الله سبحانه {وَبَشَّرُوهُ بغلام عَلَيمٍ} أي: بشروه بغلام يولد له كثير العلم عند أن يبلغ مبالغ الرجال، والمبشر به عند الجمهور هو إسحاق.
وقال مجاهد وحده: إنه إسماعيل، وهو مردود بقوله: {وبشرناه بإسحاق} [الصافات: 112] وقد قدّمنا تحقيق هذا المقام بما لا يحتاج الناظر فيه إلى غيره.
{فَأَقْبَلَتِ امرأته في صَرَّةٍ} لم يكن هذا الإقبال من مكان إلى مكان، وإنما هو كقولك: أقبل يشتمني، أي: أخذ في شتمي، كذا قال الفراء، وغيره.
والصرّة: الصيحة والضجة، وقيل: الجماعة من الناس.
قال الجوهري: الصرّة: الضجة والصيحة، والصرّة: الجماعة، والصرّة: الشدّة من كرب أو غيره، والمعنى: أنها أقبلت في صيحة، أو في ضجة، أو في جماعة من الناس يستمعون كلام الملائكة، ومن هذا قول امرئ القيس:
فألحقه بالهاديات ودونه ** جراجرها في صرّة لم تزيل

وقوله: {فِى صَرَّةٍ} في محل نصب على الحال {فَصَكَّتْ وَجْهَهَا} أي: ضربت بيدها على وجهها، كما جرت بذلك عادة النساء عند التعجب.
قال مقاتل، والكلبي: جمعت أصابعها، فضربت جبينها تعجبًا.
ومعنى الصكّ: ضرب الشيء بالشيء العريض، يقال: صكه أي: ضربه {وَقالتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ} أي: كيف ألد وأنا عجوز عقيم؟ استبعدت ذلك لكبر سنها؛ ولكونها عقيمًا لا تلد {قالواْ كَذَلِكِ قال رَبُّكِ} أي: كما قلنا لك وأخبرناك قال ربك، فلا تشكي في ذلك ولا تعجبي منه، فإن ما أراده الله كائن لا محالة، ولم نقل ذلك من جهة أنفسنا، وقد كانت إذ ذاك بنت تسع وتسعين سنة، وإبراهيم ابن مائة سنة، وقد سبق بيان هذا مستوفى، وجملة: {إِنَّهُ هُوَ الحكيم العليم} تعليل لما قبلها أي: حكيم في أفعاله وأقواله، عليم بكل شيء.
وجملة: {قال فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا المرسلون} مستأنفة جوابًا عن سؤال مقدّر، كأنه قيل: فماذا قال إبراهيم بعد هذا القول من الملائكة؟ والخطب: الشأن والقصة، والمعنى: فما شأنكم وما قصتكم أيها المرسلون من جهة الله، وما ذاك الأمر الذي لأجله أرسلكم سوى هذه البشارة؟ {قالواْ إِنَّآ أُرْسِلْنَآ إلى قَوْمٍ مُّجْرِمِينَ} يريدون: قوم لوط.
{لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مّن طِينٍ} أي: لنرجمهم بحجارة من طين متحجر، وانتصاب {مُّسَوَّمَةً} على الصفة لحجارة، أو على الحال في الضمير المستكنّ في الجار والمجرور، أو من الحجارة؛ لكونها قد وصفت بالجار والمجرور، ومعنى {مُّسَوَّمَةً}: معلمة بعلامات تعرف بها، قيل: كانت مخططة بسواد وبياض، وقيل: بسواد وحمرة، وقيل: معروفة بأنها حجارة العذاب، وقيل: مكتوب على كل حجر من يهلك بها، وقوله: {عِندَ رَبّكَ} ظرف لمسوّمة، أي: معلمة عنده {لِلْمُسْرِفِينَ} المتمادين في الضلالة المجاوزين الحدّ في الفجور.
وقال مقاتل: للمشركين، والشرك أسرف الذنوب وأعظمها.
{فَأَخْرَجْنَا مَن كَانَ فِيهَا مِنَ المؤمنين} هذا كلام من جهة الله سبحانه، أي: لما أردنا إهلاك قوم لوط أخرجنا من كان في قرى قوم لوط من قومه المؤمنين به {فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مّنَ المسلمين} أي: غير أهل بيت.
يقال: بيت شريف ويراد به أهله، قيل: وهم أهل بيت لوط، والإسلام: الانقياد والاستسلام لأمر الله سبحانه، فكل مؤمن مسلم، ومن ذلك قوله: {قالتِ الأعراب ءامَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُواْ ولكن قولواْ أَسْلَمْنَا} [الحجرات: 14] وقد أوضح الفرق رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الإسلام والإيمان في الحديث في الصحيحين، وغيرهما الثابت من طرق أنه سئل عن الإسلام، فقال: «أن تشهد أن لا إله إلاَّ الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتحج البيت، وتصوم رمضان»، وسئل عن الإيمان، فقال: «أن تؤمن بالله، وملائكته وكتبه ورسله، والقدر خيره وشرّه»، فالمرجع في الفرق بينهما هو هذا الذي قاله الصادق المصدوق، ولا التفات إلى غيره مما قاله أهل العلم في رسم كل واحد منهما برسوم مضطربة مختلفة مختلة متناقضة، وأما ما في الكتاب العزيز من اختلاف مواضع استعمال الإسلام والإيمان، فذلك باعتبار المعاني اللغوية والاستعمالات العربية، والواجب تقديم الحقيقة الشرعية على اللغوية، والحقيقة الشرعية هي هذه التي أخبرنا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأجاب سؤال السائل له عن ذلك بها {وَتَرَكْنَا فِيهَا ءايَةً لّلَّذِينَ يَخَافُونَ العذاب الأليم} أي: وتركنا في تلك القرى علامة، ودلالة تدل على ما أصابهم من العذاب، كلّ من يخاف عذاب الله، ويخشاه من أهل ذلك الزمان ومن بعدهم، وهذه الآية هي آثار العذاب في تلك القرى، فإنها ظاهرة بينة، وقيل: هي الحجارة التي رجموا بها، وإنما خصّ الذين يخافون العذاب الأليم؛ لأنهم الذين يتعظون بالمواعظ، ويتفكرون في الآيات دون غيرهم ممن لا يخاف ذلك وهم المشركون المكذبون بالبعث، والوعد والوعيد.
وقد أخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {فِى صَرَّةٍ} قال: في صيحة {فَصَكَّتْ وَجْهَهَا} قال: لطمت.
وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله: {فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مّنَ المسلمين} قال: لوط وابنتيه.
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير قال: كانوا ثلاثة عشر. اهـ.

.تفسير الآيات (38- 46):

قوله تعالى: {وَفِي مُوسَى إِذْ أَرْسَلْنَاهُ إِلَى فِرْعَوْنَ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ (38) فَتَوَلَّى بِرُكْنِهِ وَقال سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ (39) فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ وَهُوَ مُلِيمٌ (40) وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ (41) مَا تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ (42) وَفِي ثَمُودَ إِذْ قِيلَ لَهُمْ تَمَتَّعُوا حَتَّى حِينٍ (43) فَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ وَهُمْ يَنْظُرُونَ (44) فَمَا اسْتَطَاعُوا مِنْ قِيَامٍ وَمَا كَانُوا مُنْتَصِرِينَ (45) وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ (46)}.

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما قدم سبحانه أحق القصص الدالة على قسمه وما أقسم عليه بما فيها من خفاء الأسباب مع وجودها، ثم ما فيها من إنزال ما به الوعيد من السماء بالنار والماء الذي أشير إليه بالمقسمات، مع الفرقة بين المسلم والمجرم، أتبعها قصة من أيده بحاملات فيها مطر وبرد ونار مضطرمة، كما مضى بيانه في الأعراف، ثم بعد ذلك بريح فرقت البحر ونشفت أرضه ودخله فرعون والقبط، وهو واضح الأمر في أنه سبب لهلاكهم وهم لا يشعرون به، فقال عاطفًا على المقدر في قصة إبراهيم عليه السلام أو الظاهر في {وفي الأرض} أو على {في} التي في قوله: {وتركنا فيها آية للذين يخافون} وهذا أقرب من غيره وأولى: {وفي موسى} أي في قصته وأمره آية على ذلك عظيمة {إذ أرسلناه} بعظمتنا {إلى فرعون} الذي كان قد أساء إلى إبراهيم عليه السلام بعد عظيم إحسانهم إله وإلى جميع قومه بما أحس إليهم يوسف عليه السلام {بسلطان مبين} أي معجزات ظاهرة في نفسه منادية من شدة ظهورها بأنها معجزة، فكان فيها دلالة واضحة على صدق وعيده ومع ذلك فلم ينفعهم علمها ولذلك سبب عنه وعقب به قوله: {فتولى} أي كلف نفسه الإعراض بعد ما دعاه علمها إلى الإقبال إليها، وأشار إلى توليه بقوله: {بركنه} أي بسب ما يركن إليه من القوة في نفسه وبأعوانه وجنوده أو بجميع جنوده- كناية عن المبالغة في الإعراض، {وقال} معلمًا بعجزه عما أتاه به وهو لا يشعر: {ساحر} ثم ناقض كمناقضتكم فقال بجهله عما يلزم على قوله: {أو مجنون} أي لاجترائه عليّ مع ما لي من عظيم الملك بمثل هذا الذي يدعو إليه ويتهدد عليه.
ولما وقعت التسلية بهذا للأولياء، قال تعالى محذرًا للأعداء: {فأخذناه} أي أخذ غضب وقهر بعظمتنا بما استدرجناه به وأوهناه به من العذاب الذي منه سحاب حامل ماء وبردًا ونارًا وصواعق {وجنوده} أي كلهم {فنبذناهم} أي طرحناهم طرح مستهين بهم مستخف لهم كما تطرح الحصيات {في اليم} أي البحر الذي هو أهل لأن يقصد بعد أن سلطنا الريح فغرقته لما ضربه موسى عليه السلام بعصاه ونشفت أرضه، فأيبست ما أبرزت فيه من الطرق لنجاة أوليائنا وهلاك أعدائنا {وهو} أي والحال أن فرعون {مليم} أي آتٍ بما هو بالغ في استحقاقه الملامة، ويجوز أن يكون حالًا من {أليم} بمعنى أنه فعل بهم فعل اللائم من ألامه- إذا بالغ في عذله، وصار ذا لائمة أي لهم، من ألام- لازمًا، وأن يكون مخففًا من لأم المهموز فيكون المعنى: فهو مصلح أي فاعل فعل المصلحين في إنجاء الأولياء وإغراق الأعداء بالالتئام والانطباق عليهم، قال في القاموس: اللوم العدل، لام لومًا وألامه ولومه للمبالغة، وألام: أتى ما يلام عليه أو صار ذا لائمة، ولأمه بالهمز كمنعه، نسبه إلى اللوم، والسهم: أصلحه كألامه ولأمه فالتأم، ولا يضر يونس عليه السلام أن يعبر في حقه بنحو هذه العبارة، فإن أسباب اللوم تختلف كما أن أسباب المعاصي تختلف في قوله.
{وعصوا رسله} [هود: 59] {وعصى آدم ربه} [طه: 121] وبحسب ذلك يكون اختلاف نفس اللوام ونفس المعاصي.
ولما أتم قصة من جمع له السحاب والماء والنار والريح، أتبعها قصة من أتاهم بريح ذارية لم يوجد قط مثلها، وكان أصلها موجودًا بين ظهرانيهم وهم لا يشعرون، بل قاربت الوصول إليهم وهم يظنونها مما ينفعهم: {وفي عاد} أي آية عظيمة {إذ} أي حين {أرسلنا} بعظمتنا {عليهم} إرسال علو وأخذ {الريح} فأتتهم تحمل سحابة سوداء وهي تذرو الرمل وترمي بالحجارة على كيفية لا تطاق {العقيم} أي التي لا ثمرة لها فلا تلقح شجرًا ولا تنشىء سحابًا ولا تحمل مطرًا ولا رحمة فيها ولا بركة فلذلك أهلكهم هلاك الاستئصال، ثم بين عقمها وإعقامها بقوله: {ما تذر} أي تترك على حال ردية، وأعرق في النفي فقال: {من شيء} ولما كان إهلاكها إنما هو بالفاعل المختار، نبه على ذلك بأداة الاستعلاء فقال: {أتت عليه} أي إتيان إرادة مرسلها، استعلاها على ظاهره وباطنه، وأما من أريدت رحمته كهود عليه السلام ومن معه- رضى الله عنه- م فكان لهم روحًا وراحة لا عليهم {إلا جعلته كالرميم} أي الشيء البالي الذي ذهلته الأيام والليالي، فصيره البلى إلى حالة الرماد، وهو في كلامهم ما يبس من نبات الأرض ودثر- قاله ابن جريج، وخرج بالتعبير ب {تذر} هود عليه السلام ومن معه من المؤمنين- رضى الله عنه- م أجمعين، فإنهم تركتهم على حالة حسنة لم يمسهم منها سوء كما أشير إلى مثل ذلك بأداة الاستعلاء.
ولما تم ما اقتضاه سياق السورة من قصة أهل الريح الذارية، أتبعها قصة من أهلكوا بما يحمله السحاب من الريح وما تحمله الريح من صوت الصيحة الراجفة الماحقة فقال: {وفي ثمود} أي قوم صالح عليه السلام آية عظيمة كذلك {إذ} أي حين {قيل لهم} ممن لا يخلف المعياد: {تمتعوا} أي بلبن الناقة وغيره مما مكناكم فين من الزرع والنخيل والأبنية في الجبال والسهول وغير ذلك من جلائل الأمور الذي أمرناكم به ولا تطغوا {حتى حين} أي وقت ضربناه لآجالكم {فعتوا} أي أوقعوا بسبب إحساننا إليهم العتو، وهو التكبر والإباء {عن أمر ربهم} أي مولاهم الذي أعظم إحسانه إليهم فعقروا الناقة وأرادوا قتل نبيه عليه السلام {فأخذتهم} بسبب عتوهم أخذ قهر وعذاب {الصاعقة} أي الصيحة العظيمة التي حملتها الريح، فأوصلتها إلى مسامعهم بغاية العظمة، ورجت ديارهم رجة أزالت أرواحهم بالصعق، وقوله: {وهم ينظرون} دال على أنها كانت في غمام، وكان فيها نار، ويجوز- مع كونه من النظر- أن يكون أيضًا من الانتظار، فإنهم وعدوا نزول العذاب بعد ثلاثة أيام، وجعل لهم في كل يوم علامة وقعت بهم فتحققوا وقوعه اليوم الرابع {فما} أي فتسبب عن ذلك أنه ما {استطاعوا} أي تمكنوا، وأكد النفي فقال: {من قيام} أي بعد مجيئها بأن عاجلتهم بإهلاكها عن القيام.
ولما كان الإنسان قد لا يتمكن من القيام لعارض في رجليه وينتصف من عدوه بما يرتبه من عقله ويدبره برأيه قال: {وما كانوا} أي كونًا ما {منتصرين} أي لم يكن فيهم أهلية للانتصار بوجه، لا بأنفسهم ولا بناصر ينصرهم فيطاوعونه في النصرة لأن تهيؤهم لذل سقط بكل اعتبار.
ولما أتم قصة من أهلكوا بما من شأنه الإهلاك وهو الصاعقة، أتبعهم قصة من أهلكوا بما من شأنه الإحياء، وهو الماء الذي جل ما يشتمل عليه الحلامات التي أثارتها الذاريات، وقد كانوا موجودين في الأرض والسماء- وأسبابه مهيأة- وهم لا يحسون بشيء من ذلك، وأما عبادنا المؤمنون فهيأنا لهم أسباب النجاة من السفينة وغيرها، وأعلمناهم بها، فكان كل ما أردنا وقاله عنا أولياؤنا فقال مغيرًا للأسلوب تنبيًا على العظمة بنفسه الإهلاك لكونه بما من شأن الإحياء والإبقاء والتصرف في الأسباب: {وقوم} أي وأهلكنا قوم {نوح} على ما كان فيهم من الكثرة وقوة المحاولة والقيام بما يريدونه، ويجوز أن يكون معطوفًا على {فيها} أي وتركناهم آية، ويحسن هذا الإعراب أنهم هلكوا جميعًا وكانوا جميع أهل الأرض، وعم عذابهم جميع الأرض، كانوا لهم الآية، ويؤيد هذا الإعراب قراءة أي عمرو وحمزة والكسائي بالجر عطفًا على ضمير {فيها}.
ولما كان إهلاكهم على عظمه وانتشاره في بعض الزمان، أدخل الجارّ فقال: {من قبل} أي قبل هذه الأمم كلها، ثم علل إهلاكهم بقوله: {إنهم كانوا} خلقًا وطبعًا، لا حيلة لغيرنا من أهل الأسباب في صلاحهم {قومًا} أي أقوياء {فاسقين} أي عريقين في الخروج عن حظيرة الدين. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

قوله: {وَفِى موسى} يحتمل أن يكون معطوفًا على معلوم، ويحتمل أن يكون معطوفًا على مذكور، أما الأول ففيه وجوه.